4/20/2012

كيف تفرض نفسك على صاحب العمل



تلقيت وأنا فتى أمثولة لن أنساها ما حييت.
خطر لي البحث عن عمل ليلي وأنا بعد تلميذ، فتقدمت من بقالين أعرفهم وعرضت على كل منهم خدماتي دون أن أعين نوع هذه الخدمات، فصرفوني بلطف، وكان الجواب واحداً: لسنا بحاجة إلى مستخدمين. وبعد أيام بلغني أن أحد الباقلين الثلاثة استخدم فتى من أترابي فاستجمعت شجاعتي ومضيت إلى الرجل أسأله ما معنى هذا التناقض، فربت على كتفي وقال:
ـ عندما جئتني أنت تطلب عملاً لم يكن لدي عمل أعهد به إليك. أما المستخدم الجديد ويدعى (فريدي) فقد عرض عليّ فكرة أعجبتني.
ـ ما هي هذه الفكرة؟
ـ اقترح عليّ أن أكل إليه مهمة سؤال الزبائن عن حاجاتهم صباح كل يوم، على أن يحمل إلى المنازل هذه الحاجات. وقال انه يملك دراجة، مما تسهل مهمته إلى حد كبير. ولما كان هذا النوع من الخدمات مبتكراً في مدينتنا فقد استهوتني الفكرة.
كنت أنا أملك دراجة، ولكن كان لدى فريدي شيء لم يكن لدي: كان لديه فكرة.
تصدر في لوس أنجلوس جريدة رياضية واسعة الانتشار. وقد حدثني صاحبها ماك ليني عن خطواته الأولى في ميدان الصحافة، وقال:
ـ استهوتني الصحافة ولكن الجريدة الوحيدة التي كانت تصدر في لوس انجلوس كانت تشكو التخمة لكثرة عدد المحررين فيها. فاكتفيت بالتردد على مكاتب هؤلاء دارساً نواحي نشاط كل منهم فلاحظت أن الجريدة تهمل الرياضة إهمالاً تاماً. وكان الموسم الرياضي في إبانه، فوصفت في مقال قصير مباراة في كرة القدم بين مدرستين، وسباقاً على الدراجات، وعرضت المقال على رئيس التحرير، فوافق على نشره وشجعتني موافقته على اقتراح إفراد زاوية للرياضة في جريدته، فأعجبته الفكرة وعينني محرراً رياضياً.
* * *
الحصول على عمل هو في أيامنا مسألة مهارة في إقناع المخدوم بأن استخدامك يعود عليه بفائدة. ولكي يسود في ذهن صاحب العمل أنك عنصر مفيد ينبغي لك أن تتقدم منه بكفرة أو مشروع يكون له طابع الطرافة، فإذا لم تسعفك مخيلتك تبنّ فكرة لسواك واجتهد في بسطها على نحو بعيد عن الزخرف بحيث تبدو لمستمعك فكرة عملية. إليك مثالاً يكرّس هذه النصيحة:
في مطلع القرن العشرين هبط مدينة نيويورك خياط بولوني واضعاً نصب عينيه غزو الأوساط الراقية بفنه الرفيع.
طرق أبواب أشهر محال الأزياء والخياطة، مسلحاً بشهاداته، فكان الجواب واحداً: (أنت ولا شك خياط ماهر ولكن لا عمل لك عندنا). ولما أعياه البحث، قال في نفسه: (لم لا أخيط فستاناً أنيقاً لحسناء أختارها وأعرض صناعتي بواسطة هذا الماناكن (المثال) الحيّ!).
لم تكن الفكرة له، فقد سبقه إليها الخياط (وورث) في باريس، ولكنه لم يجد غضاضة في تبنيها، وبدلاً من أن يغشى والمثال الحي المرابع والصالونات، اصطحبها إلى أحد معارض الأزياء ـ وكان مدير المعرض قد رفض خدماته ـ فسارع إلى التعاقد معه بشروط ممتازة، وما هي إلا ثلاثة أسابيع حتى كانت سيدات الطبقة الراقية يعتبرن ارتداء فستان من صنع هرمان البولوني شرطاً أولياً من شروط الأناقة.
* * *
إذا كنت ممن يهتمون بعمل معين اجتهد في الإحاطة بدقائقه، وتحدث إلى الذين يعنيهم الأمر سواء كانوا منتجين أو مستهلكين أو وسطاء أو عمالاً، إليك ما فعله ادوارد تيد، وهو اليوم المدير العام لشركة إنتاج التراكتورات:
عاد تيد من أوروبا في العام 1918 فوجد أبواب العمل موصدة في وجوه آلاف الشبان. وكان التراكتور حديث الاستعمال، فقرر أن يعرض خدماته بصفة كونه عاملاً ميكانيكياً (كان في سني الحرب سائقاً ومعاون ميكانيكي في فرقة الهندسة) ولكن منتجي التراكتورات وبائعيها رفضوا استخدامه وحجتهم أن الإقبال على منتجاتهم ضعيف في أوساط المزارعين. فقدّر تيد أن وراء إحجام المزارعين عن استعمال آلة الحراثة الجديدة مسألة تنتظر من يتقدم لحلها، فمضى لساعته يستنطق أصحاب المزارع وممثلي المصانع في الأرياف فقيل له ان الفلاحين وصغار الزراع يحجمون عن شراء التراكتورات لجهلهم بوسائل صيانتها، فتقدم من أحد كبار المنتجين عارضاً عليه العمل في مصنعه كمعاون ميكانيكي، على أن يعهد إليه بمهمة الطواف بالمزارع والكشف على التراكتورات المبيعة وإصلاح ما يحتاج منها إلى إصلاح على نفقة المصنع، فيكون لهذه البادرة صداها في نفوس الزراع والفلاحين ويفضلون إنتاج المصنع الذي يعنى بصيانة تراكتوراتهم على ما عداه. وراقت الفكرة رب العمل فتبناها، وكان ما قدره تيد فازداد الإقبال على تراكتورات المصنع.
البطالة هي أعقد القضايا الاجتماعية، وعدد العاطلين عن العمل يتزايد يوماً بعد يوم بالرغم من نمو الإنتاج. ولكن ثمة آلاف المراكز التي يمكن إيجادها إذا عرف طالبو العمل كيف يشغلون مخيلاتهم وكيف يفكرون عن أرباب العمل. ألم يشق ا لتراكتور الطريق أمام مئات الشبان بفضل مخيلة ادوارد تيد؟ إن التلفزيون والرادار والمنازل الجاهزة ونقل البضائع جواً الخ .. تفتح أمام الشبان الأذكياء مجالات واسعة.
ـ تحتاج المشروعات دائماً إلى أفكار جديدة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق